المقدمة

بين وثائقية الفن وتوثيقه, ثمة هوة كبيرة عرقلت تأريخ النقد الفني, حيث يتضح الخلل بين كفاءة الإنجاز التشكيلي بمؤهلاته المنافسة, وبين النص النقدي الذي تحدد بكيف وكم مقتصرا على مساحات ظلية فردية متباعدة, لم يسعها أن تشكل ظاهرة ممكنة التأصيل لذاتها كخطاب نقدي يرتقي لمجاورة الفكر المعاصر وتحولاته, او للموضوعات التشكيلية التي يشكل منها مادته النقدية, رغم تيسر تجارب مهمة في حركة التشكيل, إذ ظل النقد التشكيلي أسيرا لتقاليد بعضها موروث مما تيسر من مؤلفات وخبرات وتوجهات نقدية وافدة, لم تتجدد ولم يسعها أن تكون منافسا للخطاب النقدي المعاصر, الذي كان من الطبيعي أن يستمد حجمه من حجم المنجز التشكيلي - فظل الخطاب النقدي أسيرا للانطباع أوالعاطفة والرؤية التقريرية الصحفية, التي تعتمد الانشاء اللغوي أكثر من التحليل العلمي النقدي المؤطر بنظارة منهجية الخطاب النقدي, التي تشكل الشرط الأساس لخطاب النقدي التشكيلي المعاصر, وتتطلب الإحاطة العلمية الإحترافية بكل من طرفي معادلة الإنتاج التشكيلي

  1. الطرف الأول

    آليات إنتاج النص التشكيلي المعاصر ومؤسساته التقنية والمفاهيمية والتداولية
  2. الطرف الثاني

    آليات قراءة وتحليل وتصنيف النص التشكيلي وفقا لمعطعيات الابستمولوجيا المعاصرة

ساهمت في ذلك ظروف موضوعية من خارج منطقة التشكيل, مع وجود مثابات مميزة وأصيلة لكنها فردية متباعدة التأثير, بحيث لايمكن حساب قوتها التأثيرية المنافسة في تقويم وتوجيه وقراءة وتنمية الفن التشكيلي - وكان من بين أبرز تلك المظاهر مايتعلق بقراءة المعطيات المعاصرة للتشكيل وتحولها إلى فعالية لاستعراض المصطلحات التي يظن أنها تتمكن من تلابيب القراء, عوضا عن التركيز في إنارة لمقومات المعاصرة للإنجاز التشكيلي من حضور العناصر المفاهيمية على حساب التقريرية, وكشف حضور وغياب الإعلان والدعاية والتقديم التواصلي, الذي يعد من بين المؤسسات الأساس للتشكيل المعاصر الذي برغم فاعليته المشهودة فإنه تعرض لسيل عارم من التهميش النقدي الذي أفقده بريقه وأضاع عليه فرصة الحضور الثقافي المرجو, حتى أن التوثيق الذي يشكل العمود الأساس لأي حراك ثقافي أصبح من الاكسسوارات التي لايعار لها الاهتمام اللازم, وضاع على تأريخ التشكيل كثير من التفصيلات الوثائقية والنقدية التي كان ممكنا أن تساهم في تعزيز مسيرة وصورة التشكيل المستحقة أساسا, ومن بين أبرزها اختفاء ظاهرة المؤلفات التي ترصد التجارب الفردية والجماعية للفنانين, وهي الظاهرة التي تعد من بين أهم مستلزمات بناء القاعدة الثقافية النقدية للتشكيل كحركة وللفنان كتجارب فردية نامية يجب أن يحظى باستحقاقه المعرفي الثقافي - ومن هنا تأتي محاولتنا هذه لتكون لبنة مضافة إلى البناء الموجه في تأثيث تأريخ التشكيل عبر تناول تجربة دؤوبة لفنان مجد ومثابر تواصل عطائه لسنوات تجاربا وعروضا ومشاركات متتالية أصر فيها على طرق باب الذائقية العامة للمتلقين وللفنانين وللنقاد – متوجها في إعلانه لبيان الشبريالزم الذي جاء واعيا يفتح الباب للحراك المفاهيمي الموثق, فهو ينتهك كثيرا من المسكوت عنه والذي كشف فيه رؤيته المعاصرة, لما هو مقبل عليه من منجز مؤطر بالمفاهيم، لنرى أنه ساهم ويساهم بتميز في إنارة المنطقة الخاصة بشروط اللوحة الفنية المعاصرة فكان هذا المنجز الثقافي

الشوبريالزم
قراءة في تجربة محمود شبر
بقلم سلام جبار